تحليل سؤال إشكالي: ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية؟ ذ:عبد الحق ورغوص

فيلوكلوب يناير 11, 2017 يناير 07, 2020
للقراءة
كلمة
2 تعليق
نبذة عن المقال: تحليل سؤال إشكالي: ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية؟ ذ:عبد الحق ورغوص
-A A +A

تحليل سؤال إشكالي مفتوح:

هذا النموذج، هو نموذج لتحليل سؤال إشكالي مفتوح، قدمه الأستاذ عبد الحق ورغوص من أجل الإستئناس. وللإشارة فتحليل السؤال الفلسفي حسب المذكرة يقتضي معالجته من خلال أربع لحظات:
  • لحظة الفهم
  • لحظى التحليل
  • لحظة المناقشة
  • لحظة التركيب



تحليل سؤال فلسفي: ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية؟


   يعد مبحث الإبستمولوجيا من المباحث الفلسفية الكبرى -علاوة على مبحثي الأنطولوجيا والأكسيولوجيا-؛ وهو مبحث يهدف من خلاله الإنسان إلى معرفة خبايا الكون وأسرار الحياة، إذ يريد أن يفهم العالم ويحلله ويعي القوانين التي تحكمه. والسؤال الإشكالي المفتوح: "ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية؟" ينتمي إلى هذا الحقل/المبحث، وبشكل مباشر يتوجه صوب مفهومي النظرية والتجربة؛ حيث يتعلق الأمر بآليات وطرق اشتغال العلم في مستواه الدقيق مثل الفيزياء والكيمياء مثلا. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن دور التجربة في بناء النظرية العلمية: هل يمكن اكتشاف النظرية العلمية بمعزل عن التجربة والتجريب؟ ماهو دور التجربة في اكتشاف النظرية العلمية؟ هل هو دور أساسي أم ثانوي؟ وهل تكفي التجربة وحدها في دراسة الواقع، أم أنه من اللازم الاستعانة بوسائط أخرى كالعقل والخيال؟

   من أجل مقاربة لهذا الإشكال، لا بد من تفكيك عناصر هذا السؤال الإشكالي المفتوح، والذي يتكون من مفهومين مركزيين ألا وهما النظرية والتجربة، ويتساءل عن دور هذه الأخيرة في بناء النظرية العلمية. فاللفظان معا "النظرية" و "التجربة" يبدوان لأول وهلة على أنهما متضادين ومتعارضين؛ فالنظرية تحيل إلى التفكير والتأمل، إلى العقل. والتجربة تحيل إلى الممارسة والعمل، إلى والواقع. فهل هذا التضاد والتعارض حاضر حتى داخل الممارسة العلمية، أم أنهما يتجاوزان ذلك إلى التعايش والتحاور والتكامل؟

   توزعت التصورات الفلسفية والعلمية بين نزعة تجريبية (جون لوك، ديفيد هيوم) تغلب منطق التجربة على منطق العقل، لأن هذا الأخير صفحة بيضاء ومعطيات التجربة هي التي تطبع هذه الصفحة. ونزعة عقلانية ( ديكارت) تغلب منطق العقل على منطق التجربة، لأن الحواس مغلطة ولا يمكن الوثوق بمظاهرها الخداعة، وبالتالي فالعقل نور فطري بإمكانه أن يقودنا نحو المعرفة الحقيقية عن طريق الشك. ونزعة نقدية(كانط) ترى أنه على الرغم من أن مصدر معرفتنا هو التجربة، إلا أن هذا لا يعني أنها كلها تصدر عن التجربة. فالحدوس الحسية بدون مقولات الفهم تبقى عمياء، ومقولات الفهم بدن حدوس حسية تبقى جوفاء. ويجمع جل الفلاسفة والعلماء على القول بأن نظرية ما لا تصبح نظرية علمية إلا إذا أثبتتها التجربة. من هنا يتبين الدور الأساسي للتجربة في بناء النظرية العلمية.

   في هذا السياق نجد أن المنهج التجريبي قد اتخذ صياغته المكتملة الكلاسيكية مع العالم الفرنسي كلود برنار. وفي ذلك يقول:" إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها، والتجربة بدورها تحكم على الفكرة". إنها الخطوات الأربع التقليدية في المنهج التجريبي: الملاحظة، الفرضية، التجربة ثم القانون. فالملاحظة هي الخطوة الأولى في عمل العالم في مجال من المجالات العلمية باعتبارها مشاهدة للظاهرة المدروسة ومراقبة لها. والفرضية هي الفكرة التي يفترضها العالم انطلاقا من ملاحظاته. أما التجربة فبواسطتها يتأكد العالم من مدى صدق أو كذب الفرض الذي افترضه لتفسير ظاهرة ما. وأخيرا القانون حيث العلاقة الثابتة بين ظاهرتين أو أكثر.

   لقد لاحظ هذا العالم أن بول الأرانب صاف وحمضي، وهذه الملاحظة قادته إلى افتراض أن هذه الحيوانات العاشبة قد امسكت عن الطعام وأخذت تقتات من دمها لكي تضمن بقاءها، وهو الأمر الذي حول خصائص بولها من بول مكدر وغير حمضي إلى بول صاف وحمضي. ولكي يتأكد كلود برنار من هذه الفكرة أخضع الأرانب إلى التجربة التي أكدت له الفرضية مرات عديدة، ليتحول بعدها إلى الخيول ليتأكد له نفس الفرض الذي افترضه. وبالتالي فقد توصل إلى القانون أو النظرية العلمية التي تقول بأنه كلما تغير النظام الغذائي للحيوانات العاشبة إلا وتغيرت خصائص بولها إلى خصائص بول الحيوانات اللاحمة.

   هكذا إذن يتبين مع كلود برنار أن للتجربة دور أساسي في اكتشاف النظرية العلمية، لأنه لا يمكن اكتشاف اسباب الظواهر الطبيعية بدون التحقق منها تجريبيا. إنه من الصعب الفصل بين النظرية والتجربة داخل الممارسة العلمية، حسب كلود برنار.

 لكن، الا يمكن القول بأن العالم قد أصبح مجرد آلة في ظل هذا التصور الاستقرائي للعلم، أو تلميذا يتقبل كل ما يريده المعلم بلغة كانط؟




   ينتقد روني طوم هذا التصور الاستقرائي للعلم مؤكدا في عمله "فلسفة العلوم اليوم" على أن العالم لا يحتاج دائما إلى إجراء تجاربه في المختبر، فالاعتقاد بأن استخدام التجريب يمنح وحده التحليل السببي لظاهرة من الظواهر هو اعتقاد خاطئ، ذلك أن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف أسباب الظاهرة. لذلك ينبغي إكمال الواقعي بالخيالي، والخيال العلمي هو أساسا تجربة ذهنية، ولا يمكن لأي تجربة أو جهاز أن يعوض هذه التجربة الذهنية.

   إن الخيال العلمي، حسب روني طوم، هو تجربة ذهنية أو تفكير ينفلت من كل رتابة أو منهج منظم بشكل صوري.

           لكن، ما الفرق بين التجربة والتجريب؟ هل هناك تكامل بينهما أم تباعد؟ ومن منهما ساهم في تطور العلم الحديث؟

   لم تلعب التجربة في صورتها الخام، في نظر ألكسندر كويري، إلا دورا محدودا في بناء العلم الحديث. بل يمكن القول أنها شكلت عائقا أساسيا أمام تطوره. ليست التجربة إذن، وإنما التجريب هو الذي ساعد على نمو العلم الحديث وشجع على انتصاره. لأن النزعة الاختبارية للعلم الحديث لا تستند على التجربة وإنما على التجريب، وهناك اختلاف كبير بين التجربة والتجريب. فالتجربة هي ذات طابع خام وعفوي، بينما التجريب هو مساءلة علمية ومنظمة للطبيعة قائمة على أساس نظري.


   من نتائج التحليل والمناقشة يمكن أن نخلص إلى القول بأن هناك خطوات منهجية ونظرية يقوم عليها العلم التجريبي، وهذه الخطوات تجمع بين شروط الملاحظة العلمية ومبادئ التجربة عندما يتم اخضاع الفروض لمبدأ التحقق التجريبي . لكن التجريب وحده لا يشكل مقوما وحيدا في بناء واكتشاف النظرية العلمية، إذ لا بد من اعتبار عنصر الخيال وإدماجه في عملية التجريب. فالخيال تجربة ذهنية تمنح للواقع العلمي غنى كبيرا، فكثير من التجارب اليوم أصبحت تعتمد الصور بدل الواقع، والأثر بدل الشيء، وهذا ما تؤكد عليه الفيزياء المعاصرة التي تجاوزت مبادئ وتقنية العلم الكلاسيكي.


ذ: عبد الحق ورغوص

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. احتاج المساعدة بخصوص هده المادة انني ابكي قهرا من عدم فهم شيء بخصوصها

    ردحذف

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/