نموذجية العلوم التجريبية في دراسة الظواهر الإنسانية

فيلوكلوب يناير 08, 2017 يناير 08, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A
 
   

مجزوءة المعرفة

العلمية في العلوم الإنسانية

نموذجية العلوم التجريبية 






كما هو معلوم، فإن التاريخ يؤكد على أسبقية العلوم التجريبية (كالفيزياء والبيولوجيا) على العلوم الإنسانية، وهذه الأسبقية تجعل العلوم الإنسانية أمام مفارقة متعلق بالنموذج الذي يمكن اعتماده في دراسة الظاهرة الإنسانية، هذه المفارق نابعة من كون العلوم التجريبية قد تمكنت من بناء نموذج تعتمده في فهم ظواهرها، وبالتالي تقف العلوم الإنسانية أمام طريقين، الأول هو إمكانية  اعتمادها –أي العلوم الإنسانية- على النموذج الذي صاغته العلو م التجريبية، والثاني هو صياغة نموذج خاص بها يراعي خصوصية الظاهرة المدروسة التي هي الإنسان، من هنا يحق لنا أن نتساءل: هل يمكن للعلوم الإنسانية اعتماد العلوم التجريبية وخاصة منهجها كنموذج لدراسة الظاهرة الإنسانية، أم أن خصوصية الظاهرة الإنسانية تقتضي ابتكار منهج خاص بها يراعي خصوصية الظاهرة الإنسانية وكذلك خصوصية الباحث في العلوم الإنسانية؟
        I.            الموقف الأول
يذهب أنصار هذا الموقف إلا أن العلوم التجريبية (كالفيزياء والبيولوجيا) يمكن أن تؤخذ كنموذج للعلوم الإنسانية، ومن أنصار هذا الموقف نجد أوغست كونت وإميل دوركايم في علم الاجتماع، وجون واطسون في علم النفس. يذهب هؤلاء إلى اعتبار الظواهر الإنسانية كأشياء، قابلة للملاحظة والتجريب وتخضع لقوانين ثابتة ، يمكن الكشف عنها مثل الظواهر الطبيعية، يقول أوغست كونت: "القوانين الطبيعية تحدد تطور الجنس البشري مثلما يحدد قانون الطبيعة سقط الحجر"، وفي نفس السياق يقول إميل دوركايم في كتابه قواعد المنهج: "إن الظواهر الإجتماعية تدرس كأشياء، ويجب أن تدرس كأشياء". وإذا عدنا إلى عالم النفس جون واطسون فسنجده هو الآخر  يؤكد على نفس الشيء، حيث يرى بأن نفس المثيرات تؤدي إلى نفس ردود الفعل.
من هنا نرى كيف أن هناك من بين علماء الإنسان  من يرى في العلوم التجريبية نموذجا يحتذى به في العلوم الإنسانية، وبالتالي يمكن اعتماد المنهج التجريبي القائم على الملاحظة والفرضية والتجربة والقانون في تفسير الظواهر الإنسانية.
     II.            الموقف الثاني:
ينتقد أنصار هذا المذهب  اعتماد العلوم التجريبية كنموذج للعلوم الإنسانية، ومن بينهم عالم الإجتماع ماكس فيبر وعالم النفس وليام جيمس والفيلسوف والعالم كارل بوبر، ذلك لان هناك مجموع من الصعوبات تحول دون إمكانية اعتماد المنهج التجريبي منها:
مشكلة الملاحظة: فالملاحظة تفترض الموضوعية أي فصل الذات الملاحظة عن موضوع الملاحظة، لكن العلوم الإنسانية تجد صعوبة الفصل بين الذات والموضوع، وهو ما سماه بياجي ب"التمركز حول الذات"، أو ما يمكن أن نسميه بالانطلاق من الذات في فهم الموضوع.
مشكل التجريب: يجد الباحث نفسه أمام عائق صعوبة التجريب على الظاهرة الإنسانية، فإذا كان من السهل مثلا إعادة إحداث ظاهر طبيعية داخل المختبر، كظاهرة كتبخر الماء مثلا، فإنه لا يمكن إعادة إحداث ظاهرة الإنتحار والتجريب عليها.
مشكلة القياس: أي أنه لا يمكن صياغة النظريات في العلوم الإنسانية باستعمال المعادلات ولغة الأرقام، لماذا؟ لأنها ظواهر كيفية وليست كمية فلا  يمكن مثلا أن نقيس  العواطف ككرهنا  أو حبنا لشخص ما.
مشكلة القانون والحتمية: يقصد بالقانون كشف العلاقة الثابتة بين ظاهرتين أو أكثر، ويقصد بالحتمية أن نفس الأسباب لابد أن  تؤدي لنفس النتائج، لذلك ينتقد هذان المبدآن المأخوذان من العلوم التجريبية لأن الظاهرة الإنسانية لا يحكمها قانون ثابت، كما أنه يمكن لنفس الأسباب ألا تؤدي لنفس النتائج في بعض الأحيان. فإذا عدنا إلا ظاهرة الإنتحار فيمكن القول بأن التفكك الإجتماعي لا يؤدي دائما إلا الإنتحار.

مشكلة الموضوعية: يصعب تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لأن الباحث يكون هو الملاحظ والملاحظ، كما أنه لا يستطيع إزاحة تمركزه حول ذاته.

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/