بودلير أزهار الشر أم أزهار الألم بقلم الأستاذ محمد غنام

فيلوكلوب يناير 26, 2019 يوليو 03, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A



  • بودلير أزهار الشر أم أزهار الألم
  • بقلم الأستاذ محمد غنام - أستاذ مادة الفلسفة - حاصل على شهادة الماستر تخصص الفلسفة العملية - فاس/المغرب

" كنت دائما أتعجب من إعطاء النساء حرية الدخول الى الكنائس، إذ فيم يا ترى يكون حديثهن مع الله؟... فالمرأة لا تعرف فصل الروح عن الجسد لأنها بسيطة كالحيوان، و لو كنت من النقاد الهجائيين لقلت بأنها لا تملك إلا الجسد."بودلير. "أزهار الألم"

v     مدخل:

ليس بودلير شاعرا مصطنعا، أو رومانسيا[1] لا يعرف إلا البكاء و التغني بآلامه، إنه نموذج الانسان الرقيق الحساس، الذي يعكس ظاهره ما يدور في خلده بحيث لن نجد سطرا من أشعاره خال من تجربته الانسانية التي كانا المأساة و الألم أهم ما يطبعها.


        لقد كان تطلعه الجامح الى الغوص في عوالم جمالية حرة غالبا ما يحاصر بالعود الأبدي للمكبوت، إنه الماضي بعواهنه المسيجة بالقيود و الاغلال الاجتماعية، و سلطة الأم و الأب الرمزي الذي رحل –تاركا فراغا في حياة بودلير– و مباشرة تم تعويضه بأب جديد رسم في ذهن الشاعر صورة جلية عن التسلط و التحكم .

      إن روح بودلير البديعة لم تكن لتقبل بسجنها في هذا النفق المتسم بالضرورة و الروائح الكريهة المحكومة بالعتيق في حلات رومانية؛ لهذا اختار شاعرنا التمرد و عدم الطاعة . لكنه سرعان ما يكتشف في كل حالة شعرية ان دانديته؛[2] لا تغدو أن تكون إلا مجرد حلم ينتهي بكوابيس العالم السفلي المتجدرة في لاوعيه.

     لا تخلو التحف البودليرية خصوصا في ديوانه " أزهار الشر"[3] الذي هو موضوع قولنا في هذا العرض ، من تحديد للشاعر في القدرة على فهم الطابع الوجودي للإنسان انطلاقا من الشروط الانطولوجية للوجود المشخص. و كأن التعبير عن الذات يصبح بمثابة تحليل نفسي للانفعالات و الاحاسيس . إلا أن هذا الفهم بقي مرتكسا، أي انه لم يستطع تجاوز ذاته نحو نموذج للإنسان متخيلا. بحيث يظهر لقارئ ديوان" أزهار الشر" كيف يفقد الانسان الكفاءة على مباشرة انسانيته كمشروع. إذ تبدو كل محاولة شعرية للإنعتاق من شرنقة الماضي المعدم لإنسانية الإنسان، بمثابة خطاب حول عدم خروجه من المأساة. ربما هذا ما ذهب ببودلير إلى الاغراق في وضعيات العالم السفلي؛ فلم يكن مقدرا له ان يتوحد كالمتصوف بذاته في عالم الالوهية. ربما كان تمنيه للموت نتيجة لعدم بلوغ روحه موطن صفائها أو أوجها المأمول .

       لكي لا أطيل في هذا المدخل، سأحاول ان أبين في ثنايا هذا العرض حول ديوان "ازهار الشر" ل"بودلير"، ما اعتبره ذو معنى فلسفي . بحيث يكون بودلير موضوعا للتأمل.

       1} بودلير بين السماء الصماء والإغراق في الشهوة.

    لقد ظل شارل بودلير حالما بالكلمات، ملتهما للذكريات، يعتقد في لا وعيه بأن روائح الماضي هي أول نقطة تشهد على تماهينا بالعالم. إذ كل شيء هو دوامة أو إحساس برغبة في الكلام لحظة الحلم الذي طالما ينتهي بالكوابيس .

      ليس رجما بالغيب أن يتم تصنيف بودلير ضمن الشعراء الذين يعيشون في زمان حميمي عمودي، كلما أراد الصعود وجد نفسه مكبلا بأغلال الأرض، متأثرا بتلك الأسرار التي تجره الى الماضي .

      يعني هذا أن بودلير لم يصل الى تلك اللحظة التي يخترق فيها الانسان المستقبل واعيا بحرية المجال كما هو الحال بالنسبة لنيتشه.

      فعندما يقر هذا الاخير مثلا بأنه " يكتب للجميع و لا أحد" ،إنه يوجه خطابه بطبيعة الحال للمستقبل، أو لنقل أن خطابه كان متقدما على عصره، عكس بودلير الذي هو الماضي موجود في كل حال. أو الانسان مفتقدا للقدرة على التموقع في المستقبل. إنه الضجر كما قال سارتر في تقديمه لديوان "أزهار الشر".

أنا غرفة انتظار عتيقة

مليئة بالورود الذابلة

يملؤها خليط عجيب

من أزياء فات زمانها

و لا يتنفس فيها عبير عطر مسكوب

إلا الرسوم النائحة

و لوحات بوشيه الشاحبة.[4]

فكلما اتضحت شعرية بودلير، كلما عرفنا أن الماضي علتها الاولى. إنه سبب التعاسة و النجاح كذلك. .فيه يكون الشخص مقتنعا بنتيجة واحدة الا و هي ؛ حاصل التجربة الشخصية تعبير عن إلتقاء طبيعة مشاعرنا بطبيعة الضمير الكوني ، الذي يتداخل فيه السماوي بالسفلي و البراني بالجواني .

     " قصيدة القطرس"

    يا له من أخرق تافه مضحك و بشع

هذا المسافر المجنح الذي كان في غاية الجمال

فواحد يزعج منقاره بغليونه

و أخر يقلد و هو يحرج هذا المريض الذي كان يحلق

ما أشبه الشاعر بأمير الفضاء هذا

الذي كان يروض العاصفة و يهزأ بالرماة

إنه على الارض منفي بين الغوغاء

و أجنحته الحبارة تعوقه عن مواصلة المسير.[5]

       و في أحيان أخرى يبدو لنا بودلير قد تسامى عن هذه الروائح الغابرة ، لكن سرعان ما نتفاجأ بأنه مجرد حلم يقظة ، لعب في نسجه الخيال و الابداع دورا طلائعيا .{ قصيدة سمو}.

أنت يانفسي تندفعين فوق المستنقعات

و الاودية و الجبال و الغابات

فوق الغيوم و البحار وراء الشموس و الاثير

...................................................

ما أسعد من يستطيع بجناح جبار

أن ينطلق الى الحقول المضيئة الصافية

تاركا وراءه السأم و الاحزان الكبيرة

التي تهيمن بثقلها على هذا الوجود الغامض[6]

                      {قصيدة الراهب الرديء }

إن نفسي قبر أطوف فيه و أقيم منذ الازل

بثياب راهب ضال

و لا من يجمل جدران هذا الدير البشع

أيها الراهب الكسول متى أعرف

أن أصنع من حاضر حياتي البائسة عملا ليدي و حبا لعيني.[7]

          يبدو أن بودلير يسعى الى معرفة حقيقة ما ، بالضرورة هي موجودة في أعماقنا ، لكن وعورة الطريق المحبوكة بالرموز اليائسة تضبب الرؤيا من خلال الحضور الدائم للألم المبرح و الشقاء و التعاسة و ما زاد الأمر بشاعة في استقصاء بودلير حول النفس هو العالم الذي نعيش فيه الموسوم بالشر الذي لم يزينه به في الحقيقة إلا الانسان لهذا وجب على الشاعر أو الأاديب أن يكون عدوا للعالم بتعبيره الدائم عن الرغبة في افحام أمته يقول بودلير { في قلبي عاريا }" الأمم لا تنجب العظماء إلا مرغمة " إذن لن يكون الرجل عظيما إلا إذا انتصر على أمته جمعاء .

         يظهر بودلير هنا و كأنه نيتشاويا ، لكن سرعان ما تعود علل الواقع لتختطفه ليمارس وظيفته الشعرية الرئيسة كواصف للمأساة التي تعيشها الإنسانية في الحياة كنتيجة للتناقض الموجود في علاقة الإنسان بذاته و بالاخرين و العالم و الله . التي يمكننا تلخيصها في الدائرة الاخلاقية التالية : {الانسان منذ ولادته في معركة قائمة على الدوام ممزق بين جاذبيتين اثنتين : جاذبية سماوية إلاهية  و هي جاذبية الطهارة و المثل العليا و الفضيلة أو كما شاء القارىء أن يسميها , و جاذبية شيطانية نارية سفلية فالتطلع إلى المعرفة و نحو اللانهاية رغبة في الارتقاء و الصعود و الرسوب إلى المادة رغبة في الانحدار و النزول و من خلال هاته المعركة بالخصوص يمكن أن نستكشف أسرار تركيب ديوان أزهار اللألم}.[8]

                        إن روحه المحرومة، مما ألمها ولا زال؛ تفر إلى الإله راجية منه تخليصها، من وحل الماضي الذي ينكشف لها في اليقظة سواء الحالمة أو الواعية. كلها أحوال صوفية للأسف غير مكتملة تطلب الإكتمال ونفي العدم الذي يحيط بها بصيغ جمالية. لكن السماء لم تجبه، ولم تظهر الحقائق الإلهية كما تجلت في روح الصوفي أحوالا. لكن "بودلبر" لم يستسلم. هاهو يثور على السماء ويحول وجهة نظره إلى علاج اخر مثل مشاهدة المدينة والإمتزاج بالجمهور ومعاشرة الخليقة، وخلق فردوس اصطناعي من الحشيش والخمر والأفيون والملذات الجنسية، فقد ينسيه الإرتماء في أحضان المادة صدود السماء، كما نسى أبو نواس الجارية جنان وتسلى عنها بشرب المدام والميل إلى الغلمان.[9]

                        لقد لعبت المرأة في هذه المرحلة من تطور التجربة الشخصية والشعرية لبودلير دورا مهما. إذ نجده يقول في قصيدته "نشيد إلى الجمال":

-          أيها الجمال أمن السماء نزلت أو خرجت من الدرك

-          السحيق؟

-          مقلتك الملائكية الشيطانية

-          تسكب الخير والشر ممتزجين

-          فنقارنك بالخمر لذلك

-          تجمع في عينيك الغروب والشروق.[10]

نلاحظ من خلال هذه الأسطر الشعرية أن بودلير أصبح يرى الجمال من زاوية حسية تختلط فيها الروح بالنظرة الجنسية. يقول كذلك في نفس القصيدة:

-          أمن الدرك خرجت أمن الكواكب نزلت؟

-          القدر الذي بهرته يتبع كالكلب خطاك.

-          .....................................

-          لا علي أيها الجمال أتيت من الجنة أو الجحيم

-          أيها الوحش العظيم المفزع الساذج

-          إذا كانت مقلتك بسمتك وقدمك

-          تفتح لي باب لانهائي أحبها ولم أعرفها من قبل.[11]

يعترف بودلير هنا بالفتح الذي منحته الحياة الجنسية لروحه، حتى أنه لم يعد يهتم بسؤال الأصل الفلسفي فيما يخص طبيعة المرأة، نظرا لما تخلقه من مظاهر جسدية للحياة يغذو فيها الشكل هو المضمون كما قال نيتشه. ومن تم نجده في نفس القصيدة يقول:

-          لا علي أكنت من الجن أو الملائكة

-          إذا كنت أيها العروس ذات العينين الساحرتين

-          أيها النغم والعطر والشعاع –يا أميرتي الفريدة-

-          تخففين من فضاعة العالم وهول الليالي.

لقد عرف بودلير بتماهيه التام في حياة الجنس داخل الحي اللاتني، إلا أنه لم يحب من النساء إلا اثنتين واللتين جعلتاه يغير من صورة المرأة في ذهنه نحو الأسوأ، أو لنقل أثرا فيه ليدرك جوانب أخرى في المرأة أكثر مادية ورعونة مما هو في مخياله عن أمه.

لعل قصيدة "نهر النسيان" تعبر بشكل دقيق عن الحالة الشهوية التي غرق فيها بودلير إبان معاشرته النساء وتعاطيه الخمر. {هذا الأخير الذي يسميه بودلير في إحدى قصائده بالسم}. يقول في قصيدته "نهر النسيان":

-          إلي أيتها الروح القاسية البهيمة

-          إلي أيتها المفترسة المعبودة، والوحش ذو الأوضاع المتوانية

-          توسدي الفؤاد فإنني أريد

-          إهواء أصابعي المرتعشة إلى حد بعيد

-          في كثافة نبذتك الثقيلة

-          أريد دفن رأسي في علائلك المضمخة بعطورك

-          واستنشاق دم حبي الهالك

-          كما تشم الوردة الذاوية

-          لا شيىء يساوي عندي درك مضجعك

-          لإغراق شهواتي الهامدة

-          فإن النسيان يسكن شفتيك

-          ونهرك ينسكب من قبلاتك.[12]

يضيف شعرا حول المرأة في قصيدته "الصدى":

-          أنت التي دخلت كطعنة من سكين

-          في قلبي النائح المسكين

-          أنت التي جئت قوية كالجان

-          حمقاء رافلة في الحلي والحلل

-          لتستقلي عقلي المهين

-          فراشا لك وموطنا

-          أيتها الماكرة التي ربطت بها مصيري

-          كالسجن بالأغلال

-          كالمقامر العنيد بالميسر والأزلام

-          كالمدمن بالمدام

-          كالجيفة بالهوام

-          تبت يداك تبت يداك.[13]

يضيف كذلك قي قصيدة "السم" عن المرأة والخمر:

-          الخمر تكسو أحقر المباني

-          ببدائع الحلي والحلل

-          وتفجر أروقة لا عهد بها من إبريز بخارها القاني

-          كـأنما هي في سماء مغيمة طفل

-          الأفيون يزيد فيما لا حد له وفي عمق الزمان

-          ويمطط اللانهاية ويغوص في حس الإنسان

-          شاحنا روحه فوق الحدود

-          بالنزوات الغامضة السود

-          كل هذا لا يساوي السم الفاتك

-          المتقاطر من عينيك الخضراوين من بحيرة مقلتك

-          حيث تنعكس روحي وتشتبك

-          أحلامي الصادئة المزدحمة تسير

-          لترتوي من هذا الدرك المرير.[14]

نرى في هذه الأسطر الشعرية أن بودلير يعبر عن تلك الشهوة الكلبية بطرق إيحائية تفسر خوالج النفس العليلة التي فشلت في "رحلة الغجر"[15]

2 -  نداء إلى الموت

وبعدما صدته السماء، وأغرقته الشهوات في لانهائيتها. ها هو بودلير يسلك طريقا جديدا للخلاص؛ والذي يمكن عنونته  ب"نداء إلى الموت".

تبدأ هذه المرحلة بما يسمى الشعور باقتراب لحظة التناهي الأنطولوجي والتي عبر عنها بودلير في قصيدة "نشيد الخريف" يقول:

-          سننغمس في الغياهب الباردة عن قريب

-          الوداع أيها الصيف الناصع

-          الوداع يا ضياء صيفنا القصير

-          .................................

-          الشتاء كله سيحتل كياني:

-          غضب وبغض ورعشة، وعمل قاس مجبور

-          لن يصبح قلبي سوى صخرة جليدية حمراء.[16]

ويضيف في قصيدة "طعم العدم":

-          استسلم للمشيئة يا فؤادي، نم نوم الوحوش

-          أيها الفكر المهزوم المنتفخ الحافر؛ أيها الذي تعب بعد الأسلاب

-          إنك فقدت طعم الحب والقتال

-          وداعا أيتها الأناشيد النحاسية الرنين

-          الوداع الوداع يا أنين المزامير.[17]

ويختتم بودلير نداء الموت؛ بواحدة من روائعه:

-          أيها المنون؛ أيها القائد العجوز؛ لقد آن المركب أن يرفع مراسيه

-          سئمنا من هذا البلد، فلننشر القلاع أيها المنون

-          وإن كانت البحار سوداء كالمداد

-          فقلوبنا التي نعرفها أيها المنون مفعمة بالأشعة والنور

-          اسكب لنا سمك لننعش به الفؤاد

-          وبأكثر مما تحرق هذه النار أفئدتنا

-          نريد أن نهرب بأنفسنا في قعر اليم –نعيما أو جحيما-

-          في قعر المجهول كي نكتشف الجديد.[18]

خلاصة:

حاصل القول إن بودلير يصور لنا الإنسان في حلته البهية التي ينخرها التناقض كحقيقة وجودية، إنها تعبير عن ذهاب وإياب الروح المستمر بين العالم العلوي والعالم السفلي. ولا يمكنني أن أضيف هنا أكثر مما قاله بودلير في هذه الأبيات عن نفسه في قصيدة "تعذيب النفس":

-          سأضربك بلا غضب ولا بغضاء

-          كما يفعل الجزار

-          كموسى ضرب بعصاه الحجر

-          ...............................

-          سينساب هواي المنتفخ بالأماني

-          على دموعك المريرة

-          ..............................

-          سترن كطبل يقرع للهيجاء

-          ألست لحنا فاسدا

-          في نغم الجوق الرباني

-          بسبب السخرية المفترسة

-          التي تعض علي وتهز كياني

-          .............................

-          أنا الجرح وأنا السكين

-          أنا الصفعة والقفا

-          أنا العجلة والأعضاء

-          والضحية والجلاد

-          أنا عقاب فؤادي

-          أنا من بين أولائك المنبوذين

-          الذين حكم عليهم أن يضحكوا أبد الآبدين

-          وليس لهم حظ في الإبتسام.[19]





[1]  : الرومانسيةromantisme: ترجع في الاصل الى الكلمة الفرنسية roman التي دلت في العصور الوسطى المكتوبة اما عرا او نثرا كما اتصلت هاته الكلمة في الانجليزية بكل ما يثير في النفس خصائصها و ما يتصل بها، ولقد ارتبطت في الشعر بالإنسان الحالم ذي المزاج الشعري المنطوي على نفسه اما في الفلسفة خصوصا مع الرومانسية الالمانية تمثل كل ما هو مضاد للعقلانية الميكانيكية ، لهذا نرى فيها من الناحية الفلسفية تمجيدا مباشرا للأسطورة و منطق الايمان القائم على تصور الله و الطبيعة و التاريخ لا نهائيين .

[2] : الداندية :dandysme تعبر لدى بودلير عن التوجه الذي تتم عن الموائمة بين الشرط الشعري من جهة و الشرط الانساني من جهة ثانية و الشاعر الحقيقي هو داندي بطبعه، أي تلك المعادلة الخميائية التي تضع الألفة بين عشق الفن و الجمال من جهة و عدم التخلي عن انسانية الانسان من جهة ثانية.



[3]  : ازهار الالم :هو اهم ديوان شعري لبودلير والذي يصنف من داخل الأدب الفرنسي كطفرة نوعية في الشعر الحديث، ترجم في اللغة العربية كذلك بأزهار الشر من طرف حنا الطيار وجورجيت الطيار. كما الصادق مزيغ اديب وناقذ تونسي بأن كلمة mal لا تعبر لا عن الألم و لا عن الشر، بل عن الإثم و الخطيئة. هذا يعني ان هذا الديوان يمكن ترجمته بأزهار الإثم أو الخطيئة {انظر تمهيد الصادق مزيغ لترجمة مصطفى القصيري لديوان les fleures du mal}.

الى القارئ اعتمد بودلير في هذه القصيدة على تمثيلات واقعية  ورمزية لكي يوصل لنا معنى لأبياته التي يقوم من خلالها بتحليل نفسي للشعور الإنساني الذي يخفي حقيقته غالبا تحت جلباب الأوهام . ونلمس لدى بودلير تلك الصراحة في القول التي لم نلحظها عند معاصريه من الشعراء والفلاسفة إلا عند نيتشه . ويظهر أن بودلير من خلال قصيدته يؤكد على امتلاكه لفهم كوني شعري للإنسان .

وكالفاسق المسكين الذي يلتهم

النهد المعذب لعاهرة محترفة

تختلس المتع الخفية ونحن نعبر عن الحياة

ونعتصرها عصر برتقالة ذابلة

[4] : شارل بودلير، "أوهار الشر". ترجمة: حنا الطيار وجورجيت الطيار. ص:8.

وفهم بودلير للشاعر . كفهم ابن باجة للمتوحد هذا الشاعر الذي لم يعد يجني من فهمه لهذا الواقع والعيش فيه سوى الاالالم  إنه زهرة وسط حديقة من الشوك وفي عمق الزهرة توجد أزهار الألم بالقوة لم يكتب لها لأن توجد بالفعل كما ينتقد بودلير الشعراء والمفكرين الذين تم اصطيادهم من طرف المجتمع والسياسة .لقد كانوا احرارا . فصارو عبيدا لكل ما هو موضوعي . ونسو الروح الالهية الكامنة بداخلهم " قصيدة القطرس

[5] : المصدر نفسه. ص:16.

[6] : المصدر نفسه: ص:17.

 وبعد ذلك مباشرة يعود بودلير ليمدح الشاعر الحر في قصيدة "السمو" التي يدعو فيها الى التوحد بالنفس او الذات والابتعاد عن المجتمع الملئ بالروائح الكريهة التي تمثل هنا أعراف و تقاليد الوجود الموضوعي .وهذا الحديث عن النفس نتيجة التعالي عن الذات ورؤيته من فوق . يقول طيري يا نفسي بعيدا عن هذه النفس الكريهة واذهبي و تطهري في الفضاء  والواسع العالي . وليكن شرابك الالهي النقي هذا الضياء اللامع  الذي يملأ أجواء الفضاء الصافية

[7] : المصدر نفسه:ص21

  لدى بودلير تلك القدرة على فهم المشاعر الوجودية للإنسان انطلاقا من الشروط الانطولوجية للوجود المشخص . وكأن بودلير يحاول أن يظهر انعدام الحرية لدى انسان عصره الذي يتمثله خاضعا لضرورة تعبر عن فهمه الأجتماعي و الديني و الكوني . من هنا يكون الشاعر  حسب بودلير هو الحل . فمثلا قصيدة مباركة يكتب عن تلك المرأة التي حملت الشاعر في بطنها. فاعتبرته خطأ اجتماعي . لأنه لن يكون مثل الاخرين وكأنها ستضع شيطان . لكن العناية الإلهية ترعى ذلك الصبي. الذي يتميز شعوره و طرق إحساسه بالأشياء و الوضعية في اختلاف تام عن القطيع نرى في الكثير من القصائد أن بودلير يميل الى النتشاوية  ، بحيث يعظم فكرة الإنسان المتميز الملحمي الذي وسمت روحه بالإلهية

يقول :     لكن ملاكا خفيا يبسط حمايته على الولد المحروم

             فيسكر بالضياء.  وفي كل ما يأكل ويشرب

            يجد الرحيق وشراب الالهة

            يلهو مع الريح ويتحدث الى الغيوم

          والروح التي ترافقه في حجة المقدس

         تبكي لرؤيته مرحا كعصفور الغابة

[8] : شارل بودلير، أزهار الألم، ترجمة: مصطفى القصري، الدار التونسية للنشر، الطبعة 1، 1981، ص:41.

بكاء الروح  تمثل معرفة الشاعر الحقيقي بأن السمو و النبل الفلسفي للإنسان  دائما ما يكون محاطا بوحشية الجمهور وجهله المقدس الذي أفرز كنتيجة للتصورات الإجتماعية و الأخلاقية و الدينية السائدة .    

  فهذه التصورات المذكورة غالبا ما تتزين وتتذهب لكي تخذلنا وتجعلنا نتبعها إلى حين .أن تقبض علينا بشكل تام لتقتلع من إنسانيتنا . يقول

          وكالعصفور المرتعش سأقتلع هذا القلب المدمي فألقيه أرضا باحتقار لأشبع في داخلي وحشي المفضل

 ينتقد بودلير الرهبان المسيحيين الدين لا ينتعلون من الرهابة الا الصفة بعيدين عن تعليم الناس وجعلهم يفهمون . حقيقة الكون لأنهم انفسهم . يفتقدون لذلك الفهم . من هنا يكون الانسان حسب بودلير مخلص ذاته إ ذا وفقط عمل على صنع نفسه بنفسه واتخذ من التوجه الطبيعي نحو الاله طريقة في التدين بالتالي فكل من يتوغل في براثين المجتمع والدين بمعناهما السكولائي لن يكون الا عدو نفسه ، كما يكون ماضينا عدونا عندما نريد التحرر في المستقبل يقول :

شبابي لم يكن سوى زوبعة قاتمة

اخترقته هنا وهناك الشموس اللامعة

 فقد بين المطر و الرعد ببستاني

فلم يبقيا فيه إلا القليل من الثمار الذهبية

وها افكاري بلغت خريفها

ولا بد لي من استعمال الرفش و المسلطة

لأعيد تنظيم هذه المزارع التي غمرتها المياه

وتكون حياة مشؤومة لأن طريق الفن طويل و الحياة قصيرة . ولن تكفي الشاعرالمدة للتعبير عن مكوناته

وأسرار الكون فتبدو طريق الشعر .طريقا للموت أي للرب . للعدم الذي يقتل حريته . من يناو بأنفسهم

عن العالم المقدس "

[9] : نفسه. ص:43.

[10] : نفسه. ص:108.

في وصف جسد المراة و التركيز على جسد المرأة و التركيز على الجمال الحسي

 –في حب المرأة و اللذة التي تخلقها المرأة

-           العطر بكامله إيقاع  المساء في نقد تحريم الدين للجنس و التصور الجنسي و ممارسة اللذة سخر الخمر

-          صواريخ : أعتقد أنني لا حظت قبلا  أن الحب شديد الشبه بجلسة التعذيب أو عملية جراحية . لكن هذه الفكرة قابلة للتطوير

-          بأكثر الاساليب حرارة . فحتى إذا كان العشيقان متيمين و مفعمين بالرغبة المتبادلة . فإن أحدهما سيكون دائما أكثر هدوءا وأقل تفانيا من الاخر . أحدهما سيكون الجراح أو الجلاد أما الاخر فهو الموضوع او الضحية . هل تنصتون الى هذه التاوهات كمقدمات لتراجيديا فقدان الشرف وهذه الانات . هذه الحشرجات هذه الصرخات . من الذي يطلق مثلها ؟ من الذي من لم يعمل جاهدا على ابتزازها ؟ وهل ترون أبشع من هذا في الإستنطاق  الذي يمارسه  محترفو تعذيب ؟

[11] : نفسه. ص:109.

الأولى كان ينعتها بالألهة السوداءوهي " جان ديفال" المشهورة بفينوس السوداء أول إمراة عشقها بودلير وعلق بها قلبه احتفظ بحبها من صباه إلى أن أصبح قاب قوسين من الموت الثانية ينعتها بالألهة البيضاء " مادام سباتي من النساء الباريسيات اللواتي شجعن الادب و الشعر في عصرهن و جمعهن حولهن الادباء و الشعراء و رجال الفكر و القلم .... كانت تعقد في منزلها الندزات الأدبية المادب الشعرية ...العفة والطهارة لم تكن من مميزاتها ... جسمها حقلا غير محرم على كتاب عصرها وفنانيه عرفها بودلير في ظروف مادية حرجة و كانت بمثابة الشعلة التي أضاءت قنديله المنطفئ

[12] : نفسه. ص: 142.

[13] : نفسه. ص:146-147.

[14] : نفسه. ص:144-145.

[15] : رحلة الغجر قصيدة تعبر عن حنين إلى عالم بسيط قديم لم يفسده المجتمع بنظمه وأعرافه وقيوده، ولم تلجه الأطماع والأغراض. عام من الرحمة والإنسجام يتساكن فيه الحيوان والجماد والإنسان والنبات تساكن تعيه العناصر وتشعر بحسنه. فها هو لبن الأمهات ينهمر من ثديهن ليغذي الأبناء. وها هم الرجال يسيرون حذو العربات. وها هو الزيز يغني لمشاهدة هذه الإنسانية السائرة في اطمئنان. والأرض تنمي أعشابها والماء ينبع في الصحراء.

[16] : المصدر السابق. ص:183.

[17] : نفسه. 190.

[18] : نفسه: 206.


[19] : نفسه. ص:188-189.



شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/