جاك دريدا ((J.Derrida تدريس الفلسفة بما هو تدريس لما لا يمكن تدريسه

فيلوكلوب يناير 21, 2019 يناير 21, 2019
للقراءة
كلمة
1 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A

جاك دريدا ((J.Derrida تدريس الفلسفة بما هو تدريس لما لا يمكن تدريسه
يرى جاك دريدا ((J.Derrida من جهته "أن مقولة كانط (Kant) تسمح لنا بوضع  تمييز داخل الفلسفة ذاتها بين التاريخانية المدرسية والعقلانية، إذ بإمكان التلاميذ أن يتعلموا ويستضهروا مضامين، هي عبارة عن أنساق فلسفية ، وفي هذه الحالة يمكن لأي كان أن يعتبر تلميذا بغض النظر عن سنه، فبإمكاننا كما يقول كانط (Kant) أن نحافظ مدى الحياة على علاقة تاريخية –أي مدرسية- مع الفلسفة التي لن تصبح سوى تاريخا لعرض المواقف الفلسفية"[1].
ويشير دريدا((J.Derrida إلى أن بإمكاننا الوقوف عند لحظتين ضمن هاته المقولة الكانطية: حيث تتمثل اللحظة الأولى، في أننا لا يمكن تعلم الفلسفة بل يمكننا تعلم التفلسف فقط، وتتمثل اللحظة الثانية،  في أننا لا يمكننا سوى تعلم التفلسف، سوى التعلم، لأن الفلسفة ذاتها في متناولنا، ونحن نحاول الإقتراب منها، لكن ليس باستطاعتنا تملكها.
وإذا كانت وظيفة الفلسفة انتقادية أساسا، ألا يعتبر حصرها في مكان ما، متناقضا مع جوهرها القائم عبى التفكير بحرية؟ ألا يستوجب النقد الفلسفي نوعا من الترحال ومن الإستقلال عن كل مكان مؤسساتي، يتضمن في حد ذاته خطر سجن الفكر النقدي ووضعه تحت الإقامة المحروسة ألا يتعلق الأمر في هطه العلاقة بين الفلسفة والمؤسسة بمسافة وفسحة اختلاف؟ وهل تشغل الفلسفة حيزا محددا، أم أن حيزها غير موجود، مكان بدون مكان، يستمد مفارقته من مفارقة الفلسفة نفسها؟
هناك مفهوم أساسي عند كانط (Kant)، يسمح بالحديث عن بيداغوجيا للتفلسف عنده، هو مفهوم الحكم المعقلن، بالتالي ترفض هذه البيداغوجيا أي تدريس للفلسفة المذهبية والنسقية، وتعطي الحق للفردانية ولحرية التفكير مع أخذها بعين الإعتبار ضرورة الفكر الكوني الشمولي. ذلك أن هذه البيداغوجيا مؤسسة على فكرة التواصل الكوني وعلى إرادة التفكير الذاتي الحر في نفس الوقت. إذا انطلقنا من هذا التصور، فإن تدريس الفلسفية يجب أن يركز على تعليم التفكير بهدف تعويد العقل على الممارسة النقدية، كما يجب على الفلسفة أن تنفتح على المؤسسة المدرسية، شريطة الا تحاصر هذه الأخيرة ممارسة العقل النقدي.
اعتبر دريدا ((J.Derrida بأن العلاقة التي حددها كانط (Kant) بين الفلسفة والتفلسف، بين العقل النقدي و والمؤسسة وبين الكوني والفردي، هي في أساسها علاقة اختلافية. فهناك بين أطراف هذه العلاقة تجاذب وتباعد ، اقتراب وانسحاب، أي فاصل وفسحة ومسافة، وهو ما يسمح بقراءتها كاختلاف انطولوجي. إن وضع الفلسفة يتميز بعدم الإستقرار في مكان محدد، وحضورها داخل الفضاء المدرسي والجامعي هو حضور منسحب، كما أن وحدتها لا يمكن أن تتحقق كمحتوى، بل تظل كوحدة شكلية . وهذه المسافة بين المضمون والشكل هي التي تجعل من حضور الفلسفة كنص وككيان قائم بذاته، حضورا مستحيلا لأنه يتضمن غيابها وانسحابها أيضا، فليس هناك نص حاضر.
ومن هنا تكون الإشكالية العريضة التي حاول جاك دريدا ((J.Derrida الإجابة عنها هي: كيف يمكن تدريس ما لا يمكن تدريسه؟
إن الأمر يتعلق حسب دريدا ((J.Derrida بوضعية الفلسفة المتميزة، هي أنه يمكن تدريس الفلسفة بدون تعلمها، أو بعبارة أخرى استنادا إلى قول كانط (Kant)، أن الأستاذ لا يعلم الانساق الفلسفية ومضامينها، ولكنه يعلم كيفية التفلسف فقط المبني على التأمل الحر والنقدي للقضايا المطروحة. ولهذا أعطى جاك دريدا ((J.Derrida سبع وصايا[2] كإجابة على الإشكالية المتعلقة "بتدريس ما لا يمكن تدريسه" والتي هي نفسها استمرار لمقولة كانط (Kant) " إننا لا يمكن أن تعلم الفلسفة وكل ما يمكنا تعلمه هو التفلسف":
الوصية الأولى: الإحتجاج ضد خضوع ما هو فلسفي (في أسئلته وبرامجه ومادته) لأية غاية خارجية (النافع، المربح، الفعال...) ومن جهة أخرى لا يجب التخلي عن المهمة النقدية، أي التقييمية والتراتبية للفلسفة...
الوصية الثانية: الإحتجاج ضد سجن الفلسفة داخل قسم أو مقرر، والمطالبة بالوحدة الخاصة والمتميزة للفلسفة...
الوصية الثالثة: المطالبة بعدم فصل البحث أو المساءلة الفلسفيين عن التعليم...
الوصية الرابعة: المطالبة بمؤسسات في مستوى هذه المادة المعرفية، المستحيلة والضرورية واللازمة وغير النافعة. لكن الفلسفة تتجاوز مؤسساتها، ويجب عليه أن تظل حرة كل لحظة وألا تطيع سوى قول الحقيقة وقوة السؤال أو الفكر.
الوصية الخامسة: المطالبة بتوفير مدرس للمادة، لا يتميز بالتبعية رغم أن تكوينه وصرف أجرته يتم من طرف آخرين...
الوصية السادسة: يتطلب كل من المادة الفلسفية ونقل المعرفة والغنى المفرط للمحتويات، وقتا مناسبا ومدة زمنية متسلسلة، لكن تتطلب وحدة المادة وهندستها، نوعا من التجميع المنظم لهذا الوقت.
الوصية السابعة: يجب أن يمنح للتلاميذ، الطلبة والمدرسون أيضا إمكانية، أو لنقل شروط الفلسفة، فمن واجب المدرس أن يساعد التلميذ ويكونه، لكن هذا المدرس الذي سبق أن خضع بدوره للتكوين والمساعدة والتعليم يظل آخرا بالنسبة للتلميذ، لكن لا نريد، من جهة أخرى التخلي بأي ثمن عن التقليد الفلسفي المتميز بالإستقلالية والإعتماد على الذات.


إن هذه الوصايا الدريدية ليست إجابات قطعية عن الإشكالية المذكورة، كما أنها ليس حتى إجابات عليها، إنها تعبير عن المفارقة، المفارقة التي تميز هذه المادة التعليمية، مادة الفلسفة، في عدد من المستويات (المؤسساتي، الزمني، المعرفي، التعليمي...).

المراجع:
1- عز الدين الخطابي ، مسارات الدرس الفلسفي في المغرب ، منشورات عالم التربية، الطبعة الأولى 2002، ص 39.
2- عز الدين الخطابي ، مرجع سبق ذكره ، ص 45.
نقلا عن Derrida (J) , du droit à la philosophie, Galilée 1990, p p 517.521 

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/