مجزوءة السياسة
مفهوم العنف - العنف والمشروعية
العنف والمشروعية:
يدفعنا البحث في العنف كمفهوم فلسفي، وكظاهرة ارتبطت
بالتاريخ الإنساني إلى البحث في مشروعيته، وإن كان من الممكن الإقرار بمشروعيته من
زاوية الحق والقانون والعادلة والأخلاق. فهل يمكن الإقرار بمشروعية العنف؟ وبتعبير
آخر هو يمكن أن يكون عنف ما عنفا مشروعا؟ ألا يمكن القول بأنه لاوجود لعنف مشروع
وعنف غير مشروع، وأن كل عنف فهو غير مشروع؟
قبل الإجابة على الإشكالات لابد أولا من تحديد دلالة
مفهومي العنف والمشروعية. يدل العنف على إلحاق الأذى الجسمي أو النفسي بفرد أو
جماعة بشرية صغيرة كانت أو كبيرة، أما المشروعية فهي اسم لما هو مشروع، ولا يكون
الفعل فعلا مشروعا إلى بوجود قاعدة ما تشرعنه.
العنف المشروع:
في كتابه رجل العلم ورجل السياسية، يؤكد عالم الإجتماعي
الألماني ماكس فيبر على أن جوهر السلطة هو
العنف، وأن الدولة تحتكر لنفسها الحق في ممارسة العنف المادي المشروع. فالدولة
الحديثة _حسب قول ماكس فيبر_ ترتبط ارتباطا وثيقا بالعنف. إلا أن العنف الذي تتأسس
عليه الدولة هو العنف المشروع، أي العنف الذي يستمد أساسه ومشروعيته من القانون
والمؤسسات.
تساؤل وإحراج: لكن أليس العنف عنفا، سواء ارتبط بالقانون أو لم يرتبط؟
العنف غير مشروع:
لقد ذهب مجموعة من الفلاسفة والمفكرين
إلى نبذ كل أشكال العنف، لا سواء في
المجال الإجتماعي أو السياسي. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر رجل السياسة
والزعيم الروحي الهندي الماهاتما غاندي (1869-1948) والذي دعا إلى اعتماد اللاعنف
بدل العنف حتى في مواجهة العنف ذاته.
يعرف غاندي اللاعنف بقوله: "إن
اللاعنف هو الغياب التام للإرادة السيئة اتجاه كل ما يحيا. بل اللاعنف في صورته
الفاعلة هو إرادة طيبة تجاه كل ما يحيا، إنه حب مكتمل وكامل" ومن هنا
يتبين لنا كيف أن غاندي بدعوته إلا اللاعنف يدعوا إلى ضرورة غياب الإرادة السيئة وإلى
استحضار الإرادة الطيبة، كما يدعوا إلى تجسيد الحب والصداقة. فالسمة الأساسية
للعنف _يقول غاندي_: "هي أنه يجب أن يكون
وراء الفكر والكلام والفعل، نية عنيفة، أي رغبة في إلحاق الأذى والألم بذاك الذي يعتبر
خصما".
وفي نفس السياق يؤكد غاندي على أن اللاعنف
ليس تخليا عن الصراع ضد الشر، بل هو مناهض للشر، لكن بطريق تتجاوز القصاص (مبادلة العنف
بالعنف). حيث يمكن مواجهة ما هو لا أخلاقي
بما هو أخلاقي. يقول غاندي: "فأنا أسعى أن
أفل سيف المستبد، ليس عن طريق مواجهته بسيف أكثر مضاء وحدة، بل بمفاجأته بأن أخيب
أمله في أن يراني أواجهه بمقاومة فزيائية. فهو سيجد أني أواجهه بدل ذلك بمقاومة
روحية تفلت من تقديره وتحكمه".
إن الحياة _يقول غاندي_ تستمر حتى داخل التحطيم والتخريب، وهذا إن دل
على شيء فإنما يدل أن هناك قانون آخر غير
قانون العنف والتحطيم والتخريب، بل أيضا أعلى منه وأرقى عليه، وهو اللاعنف، والذي
سيشكل قوة حقيقية إن هو ابتدأ بالروح، فاللاعنف الذي لا تشارك في الروح هو لاعنف
ضعيف وخبيث.
ولا يمكن أن نختم إلا بما قاله غاندي:
"العنف هو دوما عنف، والعنف رذيلة. إن اللاعنف هو القانون الذي يحكم النوع
الإنساني مثلما أن العنف هو القانون الذي يحكم النوع الحيواني".
إقرأ أيضا: أشكال العنف العنف في التاريخ
إقرأ أيضا: أشكال العنف العنف في التاريخ
0 تعليقات