عثمان بكار : إشكالية الدين والعلمانية "الإسلام نموذجا" أية علاقة؟

فيلوكلوب يوليو 10, 2019 يوليو 10, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A
للنشر على الموقع webphilokom@gmail.com

  •  إشكالية الدين والعلمانية "الإسلام نموذجا" أية علاقة؟
  • بقلم الطالب الباحث عثمان بكار
  • تحميل بصيغة Word
  • تحميل بصيغة PDF



  •  إشكالية الدين والعلمانية "الإسلام نموذجا" أية علاقة؟

    • ·       تــــــــقـــــــديــــــــــــم :

          من المعلوم  أن الصراعات على السلطة التي إحتدمت بين رجال الكنيسة والحكام ، وكذا النزاعات على الحقيقة التي نشبت بين رجال الدين والعلماء في أوربا منذ نهاية القرن السادس عشر أفضت في نهاية المطاف إلى توزيع السلطات والإختصاصات [1] ؛ أو بمعنى آخر أن رجال الدين يهتمون فقط  بالأمور المتعلقة بالدين وعدم التدخل في الأمور السياسية  ، والعلماء والمدنيين عليهم الإهتمام بالعلم والسياسة والإقتصاد...بعيدا عن التفسيرات الميتافيزيقية للدين ، كما أن الصراع بين الدين و العلمانية إرتبط بحملة نابليون على مصر سنة 1798 [2] . ولذلك فإن مسألة الدين والعلمانية خلقت تضارب في الأراء و التصورات فيما بين المفكرين والباحثين ، فالعلمانية تنص على الفصل بين المؤسسات الدينية و المؤسسات السياسية بلغة عبد الوهاب المسيري  ، على عكس الذين الذي يعتبر مسألة روحية بين الفرد والخالق أو الله.
       
        إن قضية الدين والعلمانية أثارث العديد من التناقضات و الإشكالات والتي جعلت الباحثين يبحثون فيها ، ولذلك حاولت عن جل هذه التناقضات والأراء المتضاربة على سؤال الدين والعلمانية ، بغية توضيح الفرق بين هذه المفاهيم و العلاقة فيما بينها ، إذن :ما العلمانية ؟ وما هي أنماطها ؟وما طبيعة العلاقة التي تربط الدين و العلمانية ؛ الإسلام نموذجا؟

      1ـــــ مــــــــا الــــــعلـــــمــــانـــــــيــــــة؟

           العلمانية كمفهوم شامل ومتعدد الأبعاد يحمل في طياته العديد من الدلالات والمعاني ، فكلمة "علماني"إستخدمت أول مرة ضمن سياق اللغة الرومانية (سيكوم ) بمعنى الزمني ، والدنيوي ، والمتغير النسبي وما شابه ذلك إلى جانب كلمة (موندوس ) للإشارة إلى معنى العالم أو الدنيا [3] ، وهي تعني أيضا ـ علماني ـ عالم غير ديني يعنى بشؤون الدنيا فقط و يعتقد بفصل الدين عن الدولة . فالعلمانية  secularism مصطلح يعني بعد الدولة و إستقلالها عن العقيدة ولا تقوم وفقا لمبادئ دينية ؛ لأن الدولة مخلوق إنساني خلقته الأغراض الإنسانية و تعمل على إستمراره [4]  ،وفي اللاثينية يعني هذا المصطلح ـــ العلمانية ـــ  ـالعام أو الدنيا ، وقد إستخدم من قبل مفكري عصر التنوير بمعنى المصادرة الشرعية لممتلكات الكنيسة لصالح الدولة ، ويمكن وضع مفهوم العلماينة من خلال تعريفها "بأنها العقيدة التي تذهب إلى أن الأخلاق لابد  من أن تكون لصالح البشر في هذه الحياة الدنيا وإستبعاد  الإعتبارات الأخرى المستمدة من الإيمان بالإله والحياة الإخرى ، فهي ببساطة فصل الدين عن الدولة فصلا تاما [5] ، أو بمعنى آخر رجل الدين يتكلف بالأمور الدينية ويبتعد عن الأمور السياسية ... والعكس صحيح.

          إن العلمانية لم تكن في أحد أبعادها خيارا إيديولوجيا بقدر ما كانت حلا إجرائيا براجماتيا على مشكلة الصراعات الدينية ، في حالة تاريخية  إتسمت بالتصدع والأزمات الحديثة ، مما جعل من غير الممكن تأسيس الإجتماع السياسي والثقافي العام على أساس وحدة الدين .ولذلك فإن العلمانية تعني نزع الطابع السحري عن العالم بلغة ماكس فيبر[6] ؛ أي تجريد العالم من جميع أشكال القداسة والعلوية ، ثم تحويله في نهاية المطاف إلى مجرد معادلات رياضية وفيزيائية قابلة للتوظيف الذرائعي والأداتي من قبل الإنسان الحديث المتعطش للسيطرة والنجاعة العلمية.

          2ـــــ أنـــــــــــمــــــــاط الـــعــــــلـمــانـــــيـــــــة:

            وقد جاءت العلمانية من أجل تحرير العقول من كل وصاية وإطلاق عنانها بلا حواجز ولا قيود ولا تهديد ؛ولذلك فهي تجاوزت مستواها الإجرائي الذي بدأ به متمثلا في حرية العقل وفي الفصل بين الدين والدولة ، إلى المستوى الفلسفي أو العلمانية الشاملة التي تسعى للقضاء على الدين في مقابل العلمانية الجزئية .
           وإعتبر عبد الوهاب المسيري أن العلمانية الشاملة تتجه قدما إلى نزع القداسة عن كل شئ وطرد المقدس "الدين" من العالم ومن كل نشاط إجتماعي أو خلقي ، وتحويله كل ما في هذا العالم إلى مجرد أدوات إستعمالية ليس أكثر ؛ أي أنها تسعى قبل كل شئ إلى إزالة الدين من الوعي الجمعي للأفراد ، على عكس العلمانية الجزئية والتي هي رؤية جزئية للواقع لا تتعامل مع الأبعاد الكلية والمعرفية ، من ثم لا تتسم بالشمول ، وتذهب هذه الرؤية إلى وجوب فصل الدين عن عالم السياسة ، وهو ما يعبر عنه "عبد الوهاب المسيري"  بالفصل بين المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية ، ومثل هذه الرؤية الجزئية تلزم الصمت حيال المجالات الاخرى من الحياة ، ولا تنكر وجود كليات أخلاقية أو وجود ميتافيزيقيا وما وما ورائيات ، ويمكن تسميتها العلمانية الأخلاقية أو الإنسانية.

           3 ـــــــ الــعــلاقـة بـــــــيـــــن الإسلام والــــــــعـــــلــــمانـيـة:

      وأما فيما يخص طبيعة العلاقة التي تربط الدين "الإسلام" بالعلمانية ،فإن هناك تضارب في الموافق بين ثلاث تيارات ، حيث يؤكد التيار الأول مع أوليفيه روا أن الإسلام يرفض الفصل بين الدين والدولة [7]،الشئ الذي يؤدي إلى إستحالة إقامة مشهد سياسي ديمقراطي يفترض بدوره ، تقاسم قيم مشتركة في ما يتعدي المرجعيات الدينية الخاصة بكل أحد أو بكل متحد ،ولذلك فإن الإسلام هو ممانع للعلمانية والحداثة من وجهة نظر التيار الأول والذي يضم كل من ماكس فيبر وأوليفيه روا ، لأن الإسلام يتميز بطبيعة جوهرية صلبة ،والتي يسميها البعض بالأصولية , فالإسلام بهذا المعنى دين لا يقيم حدا فاصلا بين الديني والسياسي وبين الروحي والزمني ، على عكس المسيجية التي قامت على التمييز بين الحقل الديني والحقل الدنيوي السياسي [8] ،في حين أن التيار الثاني يذهب إلى إعتبار أ، الإسلام يمكن علمنته وإخضاعه لمسار الحداثة والعلمانية  ، وذلك بالنظر إلى الطابع الكوني والإكراهي لهذه القيم ، ويعتبر هذا التيار "ألفي لي روا" أن حالة الرفض والممانعة التي يبديها المسلمون إزاء قيم الحداثة والعلمنة ليست إلا طفرة إحتجاجية عابرة لا تقوى على معاندة قانون التاريخ وحتمياته الصارمة ،بل لايتردد بعضهم في القول أن حركات الإسلام السياسي ليست إلا جسرا موصلا للعلمنة والتحديث الخفيين ، مثلما كانت الإصلاحية البروتستانتية جسرا عابرا نحو الرأسمالية وتشكل الأزمنة الحديثة [9] ، وأما التيار الثالث فإنه يركز على البعد السياسي للعلمانية ويعطيها الأولوية على بقية الأبعاد الفكرية ، ويعتبر هذا التيار أن التقاليد السياسية للعلمانية ليست غريبة عن التاريخ السياسي الإسلامي وإن لم تشهد تطورا شبيها بما جرى في واقع الإجتماع السياسي الأوروبي .وبالتالي فإن العلاقة بين الدين وعلى الخصوص الإسلا م والعلمانية هي علاقة تضاد وممانعة ورفض لكل إتجاه عى الآخر .

      ·       خــــاتـــــــــمـــــــــة:

          وفي الختام ،يمكن القول بأن سؤال الدين والعلمانية يعد من أبرز الإشكالات التي إهتم بها العديد من الباحثين والمفكرين لما له من اهمية خول مستقبل الشعوب على المستوى السياسي والديني .فالعلمانية بإيديولوجيتها التي تحث على فكرة الفصل بين الجانب الديني والجانب السياسي و إحداث قطيعة مع التفسيرات الميتافزيقية للدين ، وعلى عكس فالدين يرفض إحداث قطيعة مع كل ما هو سياسي خوفا من تلاشي مكانته في الحياة الإجتماعية والسياسية بشكل خاص .
          كما أن العلاقة بين الإسلام والعلمانية هي علاقة رفض وممانعة وتضاد ؛الشي يجعل صعوبة قيام العلمانية في البلدان المتدينة وخاصة الدول الإسلامية ,فالإسلام يتميز بطبيعة جوهرية صلبة تمنع عليه إحداث قطيعة مع الجانب السياسي.وبالتالي فإن تطبيق العلمانية في جل أرجاء المعمور  سيؤدي إلى القضاء على المقدس وخاصة العلمانية الشاملة. إذن : ما هو مستقبل الدين في ظل زحف العلمانية نحو بلدان اللعالم الثالث ؟ وهل يمكن أن نرى في المستقبل عالم بدون دين ؟

      لأئـــــحـة الــــمـــــراجع:

      1 ـــ طه عبد الرحمان ، روح الدين ، من ضيق العلمانية إلى سعة الإنتمائية ،المركز الثقافي العربي ،الطبعة الرابعة ، 2017، ص 202.
      2 ــــ أوليفيه روا ،نحو إسلام أوروبي ، تعريب خليل أحمد خليل ،دار المعارف الحكيمة ،2010.
      3 ـــ رفيق عبد السلام ، في العلمانية والدين والديمقراطية ،المفاهيم والسياقات ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، الطبعة الثانية ،2008 ،ص 19.
      4 ـــ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي ، معجم مصطلحات عصر العولمة ،كتب عربية ، ص 330.
      5 ـــ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي ، معجم مصطلحات عصر العولمة ،كتب عربية ، ص 330.
      6ــــ رفيق عبد السلام ، في العلمانية والدين والديمقراطية، المفاهيم والسياقات ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،الطبعة الثانية ،2008، ص63.
      7ـــ أوليفيه روا ن نحو إسلام أوروبي ، تعريب خليل أحمد خليل ،دار المعارف الحكيمة ، 2010 ، ص5.
      8ــــ رفيق عبد السلام ، في العلمانية والدين والديمقراكية ، المفاهيم والسياقات ، الدار العربية للعلوم ناشرون ،الطبعة الثانية ،2008,ص 89.
      9ـــــ نفس المرجع السابق، ص 91.



      شارك المقال لتنفع به غيرك

      فيلوكلوب

      الكاتب فيلوكلوب

      قد تُعجبك هذه المشاركات

      إرسال تعليق

      0 تعليقات

      8258052138725998785
      https://www.mabahij.net/