مفهوم اللغة: المحور الأول اللغة خاصية إنسانية ذ. مراد الكديوى

فيلوكلوب فبراير 27, 2020 فبراير 27, 2020
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: مفهوم اللغة: المحور الأول اللغة خاصية إنسانية ذ. مراد الكديوى
-A A +A

المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان؟

المفهوم : مفهوم اللغة

المحور الأول: اللغة خاصية إنسانية

ذ. مراد الكديوى

محاور الدرس
  1. تأطير إشكالي 
  2. تحليل نص إرنست كاسيرر ص44

"إن القدرة الرمزية هي أخص خصائص الكائن البشري" إميل بنفنست

تأطير إشكالي لمحور اللغة خاصية إنسانية


إن أية محاولة لمقاربة فلسفية شاملة للإنسان لا يمكن أن تتم إلا بتوسط اللغة. باعتبارها الأساس الذي تنكشف من خلاله الماهية الإنسانية. فلا وجود للوعي ولا للرغبة إلا بلغة تعبر عنهما، ومن تم تصير اللغة الميزة الأساسية للوجود الإنساني وعلامته البارزة. غير ان المتأمل لمفهوم اللغة باعتبارها أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم (ابن جني) يجد التعالي الإنساني بموجب اللغة تعالي مفقود ما دام الصوت والتعبير  يقال على الحيوان كما الإنسان. ومن تم فإن كل تحديد ماهوي للوجود الإنساني لا يكون كذلك إلا إذا كان عنصر فصل. أي خاصية يتفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات. عند هذا الحد يطرح اعتراض أساسي على مشروعية اعتبار "الإنسان حيوان رامز". وجوهر هذا الإعتراض هو أن الملكة الرمزية مطبوعة بإشكال المشاركة والتفرد، فأحيانا تحيل اللغة من حيث هي نسق خاضع لبنية تركيبة إلى الخصوصية الإنسانية. وأحيانا تشير غلى المشترك بين الإنسان والحيوان بموجب الماهية والوظيفة والأصل. وعموما فيمكن إجمال ذلك إشكاليا بالسؤال:
  • هل اللغة معنى يقال بالمشاركة أم بالتفرد؟ بمعنى هل اللغة خاصية إنسانية تقال على الإنسان دون غيره أم أنها خاصية مشتركة بين الإنسان والحيوان؟


الإشتغال الفلسفي على نص إرنست كاسيرر ص 44

مطلب الفهم

إن التعريفات الفلسفية على اختلافها للإنسان هي محاولة لتمييز وجوده وفصله عن غيره من الأنواع التي تشاركه الجنس. سواء كان هذا الحد بالوعي أو بالرغبة. إلا ان هذه الحدود التقليدية التي جرى تعريف الإنسان بها. غالبا ما تبقى غير تامة إذ تحتاج حدود أخرى كعناصر فصل تكتمل بها الماهية الإنسانية مثل اللغة كأساس تمييزي بين الإنسان والحيوان. "فاللغة هي التي تدخل الكائن الحي إلى حضيرة الإنسانية" على حد تعبير "جورج غوسدورف". ومن تم إذ أمكن تمييز الإنسان بشيئ عن الحيوان فهو تمييزه بالكفاءة اللغوية. ولعل مثل هذه الإشكالات التي تتعلق بإمكان فصل الإنسان عن الحيوان بالحد والتعريف هو المجال الإشكالي لمجزوءة "الإنسان" التي تسعى لتعديد خصائص الوجود الإنساني كأبعاد ماهوية ترتبط تارة بالوعي والرغبة وتارة أخرى بالإجتماع. إلا ان هذه الأبعاد تظل ناقصة إذا ما أغفلت اللغة. غير ان الإشكال الذي يعترضنا عند محاولة حد الوجود الإنساني بمفهوم اللغة هو ذاك الإلتباس بين اعتبار اللغة خاصية إنسانية وبين اعتبارها خاصية حيوانية. وينشأ هذا اللتباس من كون الحيوان يعمد في التواصل وتلبية حاجياته إلى شبكة يمكن أن تحمل الطابع اللغوي الرمزي من حيث الأصوات والإشارات والحركات... وعموما فيمكن إجمال هذه الإشكالات بالتساؤل على الشكل التالي:

  • هل اللغة خاصية إنسانية يتفرد بها الإنسان دون غيره. أم أنها خاصية مشتركة بين الإنسان والحيوان؟
  •   كيف يمكن تمييز اللغة بين انتمائها الإنساني أو الحيواني؟
  •   بأي معنى يمكن القول أن امتلاك الإنسان للجهاز الرمزي هو العلامة الدالة على أن اللغة خاصية إنسانية؟


مطلب التحليل

يعرض كاسرير في نصه لأطروحة تشكل الأفق الفلسفي للإجابة عن الإشكال أعلاه المتعلق بوضع اللغة بين ما هو إنساني وما هو حيواني. حيث يجعل اللغة خاصية إنسانية بامتياز كونه يعرف الإنسان بكونه حيوان ذو رموز كأساس لتمييزه عن غيره، فبالرغم من ان الإنسان يشارك الحيوان في القواعد البيولوجية إلا انه يتعالى ويتميز عنه بامتلاكه للجهاز الرمزي الذي ينقله من العام المادي الحسي الذي تكون فيه ردود الأفعال مباشرة نظرا للإرتباط بالجهاز المستقبل والمؤثر باعتبارهما خاصية الأنواع الحيوانية على اختلافها. إلى العالم الرمزي الذي يتألف من الأسطورة والفن واللغة. ومن تم يكون امتلاك الإنسان للجهاز الرمزي دلالة على تفرده باللغة التي تعوز الوجود الحيواني المادي.
هذا ويمكن توضيح مضمون الأطروحة بالتقابل المفاهيمي بين كل من الجهاز الرمزي من جهة، والجهاز المؤثر والمستقبل والمؤثر من جهة أخرى. فالأول خاصيته المعطيات الثقافية كالأسطورة واللغة والفن التي يعبر بها الإنسان عن وجوده الذي يتجاوز المملكة الحيوانية غذ لا يكتفي بالمعطيات الغريزية. في حين أن الثاني أي المؤثر والمستقبل فلا يعبران إلا عن ذلك الإرتباط بين الإثارة الناجمة عن تنبيهات العالم الخارجي وبين الإستجابة المتمثلة في رد الفعل عن ذلك التنبيه. ومن تم فإن الجهاز الأول –أي الرمزي- يقال على الإنسان دون غيره كونه هو الوحيد الذي يتفرد به ويستتبع ذلك القول ان اللغة خاصية إنسانية لأن أخص خصائص هذا الجهاز هو اللغة. في حين ان الجهاز الثاني يؤشر على المشاركة بين الإنسان والحيوان على المستوى الحسي الذي يكون فيه رد الفعل متساو كما هو الشأن في القواعد البيولوجية. وبالنتيجة يظهر تقابل مفاهيمي اخر يميز الوجود الإنساني عن الوجود الحيواني وهو التقابل بين العالم المادي الذي يمكن تعريفه بمملكة الطبيعة التي تتسم بالمعطيات الحسية والغريزية التي تجد تعبيرها في القواعد البيولوجية إنه بمعنى من المعاني عالم الثبات والمشاركة. وبين العالم الرمزي الذي يحيل على مملكة الطبيعة التي تمتاز بالطابع الإبداعي الذي يسعى فيه الإنسان لترتيب علاقته بالعالم عبر وسائط كاللغة والأسطورة والفن.
إن ما يمكن الإحتفاظ به من هذه التقابلات المفاهيمية هو أن الإنسان حيوان مبدع للرموز تكون اللغة خاصيته الجوهرية التي تميزه عن الوجود الحيواني نتيجة امتلاكه للجهاز الرمزي. غير ان التثبيت الفعلي لهذه الخلاصة لا يمكن أن يتم إلا بالإطلاع على البنية الحجاجية التي تعطي للأطروحة والتحليل مصداقيته المنطقية والفلسفية. كيف ذلك؟
يتأسس النص على سلم حجاجي يشكل التعبير المنطقي عن مضمون الأطروحة. بحيث يتكون من كل من حجة التقابل كعنصر للتمييز بين ما هو إنساني وما هو حيواني. ولا نبالغ إذا قلنا بأن النص  والأطروحة لا يمكن فهمهما إلا عبر التقابل بين الجهاز الرمزي والجهاز المستقبل والمؤثر من جهة. والتقابل بين العالم المادي والعالم الرمزي. وكذا التقابلات بين ردود الأفعال المباشرة والأرجاع الإنسانية. وحجة التعريف التي يعرف فيها كاسرير الإنسان باعتباره حيوان مبدع للرموز على خلاف التعريف التقليدي الذي يربطه بخاصية العقل والنطق في إشارة منه إلى ان ماهية الإنسان لا يمكن ان تختزل في العقل والوعي بل لا بد لها من ان تشمل الملكة الرمزية التي تكون فيها اللغة خاصية إنسانية. لينهي سلمه الحجاجي بالإستنتاج الذي يخلص فيه إلى أن الإنسان يمكن تمييز اختلافه الخاص عمن سواه باللغة التي تشكل ماهيته. لكن هل امتلاك الإنسان للجهاز الرمزي كاف لجعل اللغة ذات هوية إنسانية تنفصل تمام الإنفصال عن الحيوان؟


مطلب المناقشة


من الواضح ان تصور كاسرير يشكل إسهاما كبيرا في حل إشكال اللغة من حيث الإنتماء حيث يجعلها ذات طابع إنساني تنفصل عن المملكة الحيوانية. وبذلك تكتسب هذه الأطروحة قيمة فلسفية على جانب كبير من الأهمية. أولا: لأنها عملت على حد الإنسان وتعريفه بطريقة غير الطريقة التقليدية التي تربطه بالعقل والنطق. فحددته بقدرته الإبداعية للرمز. الشيئ الذي يجعل اللغة ماهية الوجود الإنساني. ثانيا: ان هذا الحد تأسس على تقابل فلسفي في وضع اللغة بين التفرد الإنساني والمشاركة الحيوانية. جعل من اللغة خاصية إنسانية بموجب حيازة الإنسان للجهاز الرمزي دون غيره. إلا انه بالرغم من هذه القيمة الفلسفية فإن ذلك لم يشفع بتثبيت اللغة كمعطى إنساني ولعل ذلك ينبع من الوضع المعقد للغة بين ماهو إنساني وما هو حيواني. فوجود أشكال لغوية متعددة كاللغة الإصطناعية المرتبطة بالذكاء الإنساني واللغة الحيوانية التي تتضمن البعد الصوتي والحركي والإشاري. كلها معطيات تضطرنا لتوخي التسرع في تقرير وضع اللغة. لذا نجد هذا النقاش الفلسفي يتخذ مسارين على الأقل؛ مسار يؤيد الطرح الفلسفي لكون اللغة خاصية إنسانية ومسار يعارض هذا الطرح غذ يجعل اللغة خاصية مشتركة بين الإنسان والحيوان.
ولعل من الأطروحات الفلسفية التي نجدها في نفس السياق الفلسفي. نجد تصور الفيلسوف الفرنسي "رنيه ديكارت" الذي يؤكد على أن الفعل الكلامي لا يناسب إلا الإنسان وحده من حيث أنه يمتلك الفكر. فلا لغة بدون فكر. ويتأسس هذا القول الديكارتي على أن الذات الإنسانية ليست مجرد الة بل هي نفس لها أفكار يعبر عنها بواسطة الكلمات والعلامات التي تعبر عن الماهية العاقلة للإنسان بعيدا عن كل انفعال الذي قد يجعل هذا الفعل الكلامي فعل حيواني مصطنع مرتبط بالإثارة والإستجابة. فمن الواضح ان ديكارت يجعل اللغة خاصية إنسانية شأنه في ذلك شأن "ارنست كاسرير" فالإنسان عند كليهما هو الجدير  بامتلاك الملكة اللغوية. لكن علة هذا الإمتلاك تختلف بينهما ففي الوقت الذي يجعلها "كاسرير" ترتبط بالجهاز الرمزي. فإن ديكارت يجعل هذا الجهاز والملكة اللغوية مرتبطة أساسا بالفكر. فالفكر إذن عند ديكارت هو علة الجهاز الرمزي على خلاف كاسرير الذي يحيد بالجهاز الرمزي كجهاز مستقل عن الفكر من خلال سعيه لتجاوز التعريفات التقليدية للإنسان التي ترتبط بالفكر والعقل. ويمكن أن نضيف التصور اللساني ل"إميل بنفنيست" الذي يجعل هو الآخر اللغة خاصية إنسانية بناءا على التمييز الذي أقامه بين الإشارة والرمز. حيث يتميز الإنسان بامتلاكه للرمز الذي يتجاوز ما هو حسي إلى ما هو ذهني ومجرد يرتبط بعملية الفهم والتأويل، فالإنسان أساسا كائن مبدع للرموز. على خلاف الحيوان الذي يظل حبيس الإشارة التي هي دائمة الإرتباط بما هو مادي-حسي وفيزيائي. وعلى هذا التمييز يخلص "بنفنيست" يخلص لإعتبار اللغة كمعطى إنساني كونها أرقى أشكال التعبير الرمزي.
لنسجل إذن؛ أن اللغة خاصية إنسانية تتميز عن ماهو حيواني. ويمكن دعم ذلك من خلال الإختلافات الجوهرية بين اللغة الإنسانية وما يمكن أن نصطلح عليه باللغة الحيوانية. فأساس كل لغة هو بنيتها النسقية والتركيبية باعتبارها مجموع قواعد مضبوطة تميز صحيح الكلام عن فاسده. وهو المعطى الذي يسجل حضوره فيما هو إنساني وغيابه في الوجود الحيواني فليس للحيونات بنية تركيبية تحكم الإستعمال اللساني للغة. بالإضافة إلى الطابع الميكانيكي والنهائي الثابت للغة عند الحيوان. على خلاف الطابع الإبداعي والمتجدد للغة عند الإنسان حيث تمتاز بخاصيتها اللامتناهية للتشكيل الكلامي من معطيات محدودة ومتناهية (مثال القدرة اللغوية عند الطفل). لكن ألا يمكن القول بالرغم من كل هذا أن للحيوان لغة؟
صحيح ان هذه الإعتبارات والحجج تتمتع بقدر كبير من الصلاحية والمشروعية في إثبات الإنتماء الهوياتي للغة إلى المجال الإنساني. لكن يمكن القول أن هذه المعطيات جميعها لا تنفي عن الحيوان اللغة بقدر ما تضع تمييز بين اللغة الحيوانية والإنسانية. فالتمييز لا ينفي الإمكانية اللغوية عند الحيوان. ولعل ما يدعم مثل هذا القول هو مفهوم اللغة من حيث الماهية والوظيفة، فإذا ما اعتبرنا مع "بن جني" اللغة مجموعة أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم. فإن الماهية الصوتية والوظيفة التعبيرية هي معطيات مشتركة بين الإنسان والحيوان. فالحيوان مثلا عندما يصدر صوتا فإنه بذلك يعبر إما عن خطر أو حاجة بيولوجية...شأنه في ذلك شأن الإنسان الذي قد يستعمل الصوت لنفس الغاية. بالإضافة إلى سؤال الأصل الذي يعتبر أن اللغة ظهرت كتلبية للحاجيات البيولوجية سواء عند الحيوان والإنسان، ولعل هذا ما ذهب إليه "داروين" حينما اعتبر اللغة الإنسانية لا تختلف في شيىء عن اللغة الحيوانية كونهما ذات أصل واحد وهو الحاجة. وما الإختلافات والتمايزات ماهي إلا نتيجة حصيلة التطور والقدرة على التكيف. وفي نفس الطرح تقريبا يذهب "انجلز" حينما يجعل اللغة معطى مشترك إلا ان هذا المعطى قد تميز بتطور اللغة الإنسانية بموجب واقعة العمل التي فرضت أشكال لغوية تواصلية تتجاوز الأشكال الحيوانية الإشارية. إن هذه التصورات تسعى لمسألة أساسية وهي جعل ما يقوله البعض بأن اللغة خاصية إنسانية ما هو إلا اختلاف أو تمايز بين اللغة الحيوانية واللغة الإنسانية. وهو ما يؤكده "كوهلر" حينما يجعل للحيوان لغة خاصة كما هو الحال عند النحل والتي ينبغي فهمها في طابعها الحيواني لا تطبيق الخصائص الإنسانية للغة على اللغة الحيوانية.

مطلب التركيب

حاصل القول أن تحديد ماهية الإنسان من خلال اللغة التي تجعله حيوان رامز. لا يمكن ان تتم إلا عبر البث في اللغة نفسها من حيث هي خاصية إنسانية. واختبار مشروعية هذا الإعتبار بين التفرد المرتبط بالجهاز الرمزي والفكر والتمييز بين الرمز والإشارة. وبين المشاركة التي تجعل اللغة معطى مشترك بين الإنسان والحيوان بموجب مفهوم اللغة (الماهية والوظيفة) والأصل الذي يجد تعبيره عند كل من داروين وكوهلر ثم انجلز. ومن تم يصير وضع اللغة وضعا إشكاليا بين إعلان تفرد الإنسان باللغة وبين جعل هذا التميز ماهو إلا تعبير عن الإختلاف بين اللغة الحيوانية واللغة الإنسانية.

شارك المقال لتنفع به غيرك

فيلوكلوب

الكاتب فيلوكلوب

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

8258052138725998785
https://www.mabahij.net/